قال أحد الصالحين :
أيها المدله في حاله ، المتسكع في أمره ، طب نفسا و ازدد بالله أنسا ، فما فتح عليك باب ذكره إلا و هو يريد أن يجعلك من خاصته ، و لا كرر اسمه على لسانك إلا وهو يريد أنه يدخلك في خدمته ، ولا برد فِؤادك بمحنتك إلا و قد رقاك إلى أوطان خالصته ، و لا عرفك مواطن التقصير إلا و قد عزم على نقلك بلطيف تدبيره ، و لا اطلعك على ثنايا نعمته إلا و قد بعثك على القيام بشكره ، و لا اذن لك في الدعاء إليه إلا و قد ضمن لك التسديد فيه و لا اختبرك بأمره و نهيه إلا و قد اجتباك لطاعته ، و لا نبهك على فائتك إلا و قد آثر أن تلحقه بمعونته ، و لا قص عليك حديث من تقدم إلا لتعتبر به فيمن تقدم .
فانظر يا هذا كيف أوردك رياض هذه النعم ، و كيف قلبك فيها ، و كيف طيبك بطيب روائحها ، و غالي فوائحها . ثم انظر كيف جمعك بعدما كنت متفرقا و كيف نظمك بعدما كنت متبددا ، و كيف هداك بعدما كنت متحيرا ، و كيف شفا غلتك بعدما كنت مسجرا ، و كيف أروى ظمأك بعد ما كنت لاهثا ، و كيف أولعك بالجد بعد ما كنت عابثا ، و كيف فتح بصرك على حظك بعدما كنت غضيضا ، و كيف شرح صدرك بعد ما كنت مر يضا ، و كيف فتق سمعك بعد ما كان مرتتقا ، و كيف رتق طبعك بعد ما كنت متفتقا ، و الله لو ظاهرك على هذه النعم الجسيمة ، و على إحصاء هذه القسم الكريمة ، الثقلان : الجن و الإنس ، ما قدرت على عشير من ذلك .
فاكتف أيها العاقل بهذا التنبيه ، و اسلل نفسك من هذا العاجل المحشو بالتمويه ، ، فإن الأمر عن قريب يخلص إليك ، و الظاعن بك يقف عليك ، فحينئذ لا تستأخر
ساعة و لا تستقدم ، و قد و عظك الواعظ ، و نصح لك الناصح ، و أعذر إليك المشفق ، و إن كان لك رأي في مهجتك و الخلوص على بهجتك فبادر .
يا اهل الجفاء تأهبوا لقوارع البلاء ، يا أهل الولاء توقعوا حلاوات الصفاء ، يا أهل الغرق في النعم تقربوا إلى واهبها بالهبة منها ، أيها المعرضون عن الله استأنفوا إقبالكم إليه ، إنه ما أقبل إليه أحد إلا قبله ، و لا قبل أحدا إلا خصه ، و لا خص أحدا إلا اجتباه ، و لا اجتبا أحدا إلا اصطفاه و لا اصطفاه إلا ولاه و لا ولى أحدا إلا تولاه و لاتولى أحدا إلا كفاه و لا كفى أحدا إلا ملأ قلبه بحبه و حب رسوله (صلى الله عليه و سلم).