بدأ
حياة الإنسان في عالم المعرفة بسماع من يقرأ عليه ويعلمه، وقد تنتهي بأن
يتلو أحدهم عليه ويقرأ عليه الأدعية. فحياة الإنسان تبدأ وتنتهي بسماع تلك
الكلمات ذات المغزى الديني والأثر الاجتماعي النفسي؛ فالسمع المرتبط
بالقراءة لا يُعدّ فقط بداية الطريق لدروب العلم، ولكنه كذلك بداية اكتشاف
الحياة وسبر أغوارها، والقراءة للطفل ليست للتعليم وحل الواجبات المدرسية
فقط؛ بل لها أصول وقواعد لو اتّبعت لغيّرت اهتمام الأطفال ونظرتهم إلى
الحياة، هذا بالإضافة إلى التقدم العلمي في المدرسة.
فمن فوائد القراءة للطفل:
-
تعليمه السلوك المحبب: من خلال اختيار كتب معينة يستطيع القارئ بواسطتها
غرس القيم الأخلاقية، والأداب الشرعية, والتعريف بقدوات وأبطال أمتنا.
-
تزيد من الحصيلة اللغوية: عندما يقرأ القارئ للطفل موجّهاً اصبعه إلى
الكلمات المقروءة فإن الطفل يتعلم كلمات كثيرة، وكيفية استخدامها في
الحياة اليومية.
- تنمّي مدارك الطفل وخياله: من خلال الاستماع ومتابعة
القارئ يتعرف الطفل على عالم لم تكن له دراية كافية به، فبوسع الأم أو
القارئ أن تحدّث الصغير عن الأشكال الهندسية ووجودها في الطبيعة، في
الحديقة والمنزل (مثلا الدائرة تشبه الصحن وتشبه مقود السيارة وهكذا)، ومن
خلال القراءة يتعرف الطفل على تجارب الآخرين في حلّ المشكلات مما يعطي
الطفل مجالاً للتفكير بصورة أوسع، كما أن القراءة للطفل تدربه على مهارة
الانتباه؛ فالأطفال الذين يقرؤون أو يُقرأ لهم تكون فترة الانتباه
والتركيز لديهم أطول من أقرانهم.
- تزيد من تحصيله الدراسي: أثبتت
الدراسات أن الطفل الذي يقرأ قبل دخوله المدرسة يكون معدل ذكائه (iq) أعلى
من أقرانه الذين لم يُقرأ لهم، كما أثبتت الدراسات أن أطفال الحضانة الذين
يُقرأ لهم أكثر إبداعاً وهدوءاً وأكثر قدرة على المشاركة والتعلم من
أقرانهم الذين لم يُقرأ لهم، كما تقرّ الدراسات أن الحصيلة اللغوية
والمفردات لهؤلاء الأطفال عالية، ومستواهم في القراءة والكتابة والتعبير
أفضل، وقدرتهم على حل المشكلات أعلى من أقرانهم ممن لم يحظوا بنفس الفرصة.
-
تساعده على اكتشاف متعة العلم والقراءة عندما يجد الطفل كتباً تناسب ميوله
وتشبع هواياته، يبدأ تدريجياً التحوّل إلى القراءة لملء وقته، فالقراءة
متعة للطفل إذا وجد الكتاب المناسب, يتعلم الطفل من خلال الاستماع أن
مشكلاته جميعها لها حل، وأن أبطال الوقائع والسير التي يسمعها أو يقرؤها
مثله يمرون بنفس مشاكله، ولكنهم يستطيعون التغلب عليها، كما أن القراءة
الممتعة تدفع إلى المزيد من المطالعة والاستكشاف .
- تساعد على نمو
المهارات القرائية الكتابية، فالنمو في القراءة والكتابة مرتبطان ارتباطاً
وثيقاً ببعضهما، فتعلّم المفردات الجديدة وكيفية استخدامها ينعكس على
موضوعات الكتابة والتعبير. كما أن الطفل القارئ أو الذي يُقرأ له تكون له
خبرات واسعة وطرائق متعددة في حل المشكلات، وكل تلك المهارات تنعكس على
تناول موضوع الكتابة.
- تعزز من ثقة الطفل بنفسه وقدراته، وحب الآخرين
له، فبكثرة الاستماع تزداد الحصيلة العلمية واللغوية للطفل، ويعزز شعوره
بالحب والأمان من قبل الأم القارئة، ويتعلم بعض المهارات السلوكية
والأدائية، وكل ذلك يعمل متضافراً على تعزيز ثقة الطفل بنفسه وقدراته، حيث
اكتشفت دراسة مطولة أن الطلاب ذوي المهارات القرائية غير المقبولة يفتقدون
الثقة بالنفس والهمة لتعديل المستوى الدراسي، ولكن بعد القراءة الجهرية
لهم لفترة امتدت إلى ثلاثة الأشهر بدأ التحسن في مستوى القراءة واضحاً
منعكساً على مهارات التعبير الكتابي.
- تعلم الطفل مهارات الإلقاء
والتمثيل عندما يقرأ القارئ للطفل، أو حتى القارئ بصوت مسموع فإنه يتعلم
أن صوت البطل الشرير يختلف عن صوت العصفور المسكين في القصة، ويتعلم
بالاستماع أن اختلاف نبرات الصوت معبرة عن الحالات النفسية المختلفة،
ويكتسب الطفل من خلال ذلك الكم من التنويعات مهارات تمثيلية تساعده في
الإلقاء.
- تنمي العلاقة بين القارئ والطفل: قد يكون هذا العامل من أهم
العوامل الأسرية؛ فالقراءة ليست سرداً لبعض المعلومات المكتوبة في النص،
بل إنها نقل الكلمات إلى الحياة بطريقة شائقة, فعندما تضع الأم الطفل في
حضنها وتبدأ القراءة يحس الطفل بمتعة القراءة ومتعة الحنان والاقتراب من
الأم، وكل ذلك يساهم في تقوية العلاقة بين القارئ (الأم) والطفل، وتأكيد
شعور الأخير بالحب والأمان، مرتبطاً بحب العلم والقراءة، وهذا ينطبق في
الصفوف الدراسية أيضاً. فقد أثبتت الدراسات أن تخصيص خمس دقائق فقط من وقت
الحصة لقراءة شيء ممتع للطلاب قادرة على دفع المهارات التحصيلية للطلاب في
القراءة والكتابة والتعبير، كما أنها تقوي علاقة الطالب بالمدرس وتجعله
أكثر قبولاً من ذي قبل.
- توجه الطفل نحو القراءة بدلاً من التلفاز من
العادات الحسنة التي يتعلمها الطفل منذ الصغر، فإذا تعلم الطفل منذ صغره
أن يتوجه إلى التلفاز لشغل وقته أو لانشغال الوالدين عنه، سيستمر في قتل
وقته بالتلفاز طوال حياته، ولا مجال هنا لذكر أخطار التلفاز وآثاره
السلبية على التنشئة. كذلك توجيه الطفل نحو عالم القراءة والاكتشاف منذ
الصغر، وتعليمه شغل وقته بكل ما هو مفيد ونافع عادة تبقى معه، ويستفيد
منها طوال حياته.
- تعلّم الطفل احترام الكتاب والعلم: إذا شعر الطفل
أن الكتاب له قيمة علمية، وفائدة، ومتعة، ورأى طريقة معاملة القارئ (الأم
أو المعلم) واحترامهم للكتاب، فإنه سيتعلم تلقائياً أن الكتاب ليس مجرد
أوراق مرصوصة لتوضع على الرف؛ بل يحتوى كنوزاً تريد مَنْ يتعامل معها
باحترام وتقدير.
- أثناء القراءة للطفل، هناك الكثير من الأساسيات التي
يجب أن يعيها القارئ في البيت أوالمدرسة، ومن ذلك أن يتذكر القارئ أن
الهدف من القراءة تحقيق أهداف كثيرة دينية وعلمية ولغوية واجتماعية
ونفسية، تتحقق من خلال:
- اختيار الكتب المناسبة لسن الطفل وميوله.
-الإجابة
عن جميع أسئلة الطفل بصدق وببساطة، مع ترك المجال أحياناً للطفل لاكتشاف
الجواب بمفرده، وأن يشعر الطفل بأن المجال مفتوح له دوماً للسؤال من دون
خوف.
-الإشارة إلى المفردات الجديدة في المقروء وكيفية استخدامها بطريقة شائقة.
- إعطاء الطفل الفرصة الكافية للتعبير عن نفسه وشعوره وأفكاره أثناء القراءة وبعد الانتهاء منها.
- جعل وقت القراءة وقتاً لتقوية العلاقة مع الطفل من دون تأنيب أو صُراخ أو تذكير بأخطاء الصغير.
-القراءة بتعبير وتمثيل قدر المستطاع فيغيّر القارئ من نبرة صوته باختلاف المواقف والشخصيات.
- إهداء الطفل هديّة كتاباً بين حين وآخر.
-لفت
نظر الطفل إلى أن كل ما حوله يُقرَأ من علب الإفطار، والمعجون، وإشارات
المرور، وأسماء الشوارع، والجرائد، والمجلات، وأسماء المحلات وغيرها.
-تشجيع الطفل على أن يقرأ للوالدين أو الطفل الأصغر، أو أن يخبره بمحتوى قصة سمعها.
وأخيراً
فإن القراءة للطفل وتعويده عليها ليست ترفاً أو نشاطاً يُستخدم لقتل
الوقت، بل هي وسيلة تربوية لغرس مبادئ ديننا الحنيف , وتنشئته على حب
العلم والكتاب، وهي أساس لتقدم علمي وذهني للطفل يتفوق به على أقرانه،
وفرصة ثرية لزيادة حصيلته اللغوية وإخصاب خياله، وفرصة ثرية لتقوية علاقة
القارئ (الأم أو المعلم) بالمستمع (الطفل)، والإجابة بصدر رحب عن جميع
تساؤلاته التي ستقيه في المستقبل، وتعدّه لمواجهة مشكلات الحياة..