بسم الله الرحمن الرحيم
المبحث الأول: خلاصة نسبه ووظيفته صلّى الله عليه وسلّم
هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كِلاَب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فِهْر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مُضر بن نزار بن معدَ بن عدنان، فهو عليه الصلاة والسلام من قريش، وقريش من العرب، والعرب من ذرية إسماعيل بن إبراهيم، عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام.
ولد صلّى الله عليه وسلّم عام الفيل بمكة في شهر ربيع الأول يوم الاثنين الموافق 571م، وتوفي صلّى الله عليه وسلّم وله من العمر ثلاث وستون سنة، منها: أربعون قبل النبوة، وثلاث وعشرون نبيًّا رسولًا، نُبِّئَ بإقرأ، وأرسل بالمدثر، وبلده مكة، وهاجر إلى المدينة، بعثه الله بالنذارة عن الشرك، ويدعو إلى التوحيد، أخذ على هذا عشر سنين يدعو إلى التوحيد، وبعد العشر عُرج به إلى السماء، وفرضت عليه الصلوات الخمس، وصلى في مكة ثلاث سنين، وبعدها أُمِر بالهجرة إلى المدينة، فلما استقر بالمدينة أُمِر ببقية شرائع الإسلام مثل: الزكاة، والصيام، والحج، والجهاد، والأذان، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وغير ذلك، أخذ على هذا عشر سنين وبعدها توفي صلّى الله عليه وسلّم، ودينه باقٍ وهذا دينه، لا خير إلا دلَّ أمته عليه، ولا شر إلا حذَّرها منه، وهو خاتم الأنبياء والمرسلين لا نبي بعده، وقد بعثه الله إلى الناس كافة، وافترض الله طاعته على الجن والإنس، فمن أطاعه دخل الجنة، ومن عصاه دخل النار.
وخلاصة القول: أن الدروس والفوائد والعبر والعظات في هذا المبحث كثيرة منها:
1- إن النبي صلّى الله عليه وسلّم خيار من خيار من خيار، فهو أحسن الناس وخيرهم نسبًا، وأرجح العالمين عقلًا، وأفضل الخلق منزلة في الدنيا والآخرة، وأرفع الناس ذكرًا، وأكثر الأنبياء أتباعًا يوم القيامة.
2- إن إقامة الاحتفالات بمولد النبي صلّى الله عليه وسلّم كل عام في اليوم الثاني عشر من ربيع الأول بدعة منكرة؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يفعل ذلك في حياته، ولم يفعله الصحابة من بعده رضي الله عنهم، ولا التابعون لهم بإحسان في القرون المفضلة، ومع ذلك فإن تحديد ميلاد النبي باليوم الثاني عشر من ربيع الأول لم يُجْزَم به، وإنما فيه خلاف وحتى ولو ثبت فالاحتفال به بدعة لما تقدم؛ ولقوله صلّى الله عليه وسلّم: ) من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد (. وفي رواية لمسلم: ) من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد (.
3- إن وظيفة النبي صلّى الله عليه وسلّم هي الدعوة إلى التوحيد، وإنقاذ الناس من ظلمات الشرك إلى نور التوحيد، ومن ظلمات المعاصي والسيئات إلى نور الطاعات والأعمال الصالحات، ومن الجهل إلى المعرفة والعلم، فلا خير إلا دلَّ أمته عليه، ولا شر إلا حذَّرها منه صلّى الله عليه وسلّم.
المبحث الثاني: جهاده واجتهاده وأخلاقه
كان صلّى الله عليه وسلّم أسوة وقدوة وإمامًا يُقتدى به؛ لقوله تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ (سورة الأحزاب، الآية 21)؛ ولهذا كان صلّى الله عليه وسلّم يصلي حتى تفطَّرت قدماه وانتفخت وورمت فقيل له: أتصنع هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: ) أفلا أكون عبدًا شكورًا (. وكان يصلي من الليل إحدى عشرة ركعة، وربما صلى ثلاث عشرة ركعة، وكان يصلي الرواتب اثنتي عشرة ركعة وربما صلاها عشر ركعات، وكان يصلي الضحى أربع ركعات ويزيد ما شاء الله، وكان يطيل صلاة الليل فربما صلى ما يقرب من خمسة أجزاء في الركعة الواحدة، فكان ورده من الصلاة كل يوم وليلة أكثر من أربعين ركعة منها الفرائض سبع عشر ركعة.
وكان يصوم غير رمضان ثلاثة أيام من كل شهر ويتحرَّى صيام الاثنين والخميس، وكان يصوم شعبان إلا قليلًا، بل كان يصومه كله، ورغَّب في صيام ست من شوال، وكان صلّى الله عليه وسلّم يصوم حتى يقال: لا يفطر، ويفطر حتى يقال: لا يصوم، وما استكمل شهر غير رمضان إلا ما كان منه في شعبان، وكان يصوم يوم عاشوراء، وروي عنه صوم تسع ذي الحجة، وكان يواصل الصيام اليومين والثلاثة وينهى عن الوصال، وبيَّن أنه صلّى الله عليه وسلّم ليس كأمته؛ فإنه يبيت عند ربه يطعمه ويسقيه، وهذا على الصحيح: ما يجد من لذة العبادة والأنس والراحة وقرة العين بمناجاة الله تعالى؛ ولهذا قال: ) يا بلال أرحنا بالصلاة (، وقال: ) وجُعِلَتْ قرة عيني في الصلاة (.
4- وكان يكثر الصدقة، وكان أجود بالخير من الريح المرسلة حينما يلقاه جبريل عليه الصلاة والسلام؛ فكان يعطي عطاء من لا يخشى الفاقة؛ ولهذا أعطى رجلًا غنمًا بين جبلين فرجع الرجل إلى قومه وقال: يا قومي أسلموا فإن محمدًا يعطي عطاءً لا يخشى الفاقة، فكان صلّى الله عليه وسلّم أكرم الناس، وأشجع الناس، وأرحم الناس وأعظمهم تواضعًا، وعدلًا، وصبرًا، ورفقًا، وأناة، وعفوًا، وحلمًا، وحياءً، وثباتًا على الحق.
5- وجاهد صلّى الله عليه وسلّم في جميع ميادين الجهاد: جهاد النفس وله أربع مراتب: جهادها على تعلم أمور الدين، والعمل به، والدعوة إليه على بصيرة، والصبر على مشاق الدعوة، وجهاد الشيطان وله مرتبتان: جهاده على دفع ما يلقي من الشبهات، ودفع ما يلقي من الشهوات، وجهاد الكفار وله أربع مراتب: بالقلب، واللسان، والمال، واليد. وجهاد أصحاب الظلم وله ثلاث مراتب: باليد، ثم باللسان، ثم بالقلب. فهذه ثلاث عشرة مرتبة من الجهاد، وأكمل الناس فيها محمد صلّى الله عليه وسلّم؛ لأنه كمل مراتب الجهاد كله، فكانت ساعاته موقوفة على الجهاد: بقلبه، ولسانه، ويده، وماله؛ ولهذا كان أرفع العالمين ذكرًا وأعظمهم عند الله قدرًا. وقد دارت المعارك الحربية بينه وبين أعداء التوحيد، فكان عدد غزواته التي قادها بنفسه سبع وعشرون غزوة، وقاتل في تسع منها، أما المعارك التي أرسل جيشها ولم يقدها فيقال لها سرايا فقد بلغت ستة وخمسين سرية.
6- وكان صلّى الله عليه وسلّم أحسن الناس معاملة، فإذا استسلف سلفًا قضى خيرًا منه؛ ولهذا جاء رجل إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم يتقاضاه بعيرًا فأغلظ له في القول، فهم به أصحابه فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: ) دعوه فإن لصاحب الحق مقالًا ( فقالوا: يا رسول الله: لا نجد إلا سنًّا هو خير من سنّه فقال صلّى الله عليه وسلّم: ) أعطوه ( فقال الرجل: أوفيتني أوفاك الله، فقال صلّى الله عليه وسلّم: ) إن خير عباد الله أحسنهم قضاءً (. واشترى من جابر بن عبد الله رضي الله عنه بعيرًا، فلما جاء جابر بالبعير قال له صلّى الله عليه وسلّم: ) أتراني ماكستك (؟ قال: لا يا رسول الله، فقال: ) خذ الجمل والثمن (.
7- وكان صلّى الله عليه وسلّم أحسن الناس خلقًا؛ لأن خلقه القرآن، لقول عائشة رضي الله عنهما: ) كان خلقه القرآن (؛ ولهذا قال صلّى الله عليه وسلّم: ) إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق