وَالْقَوْلُ الثَّانِي : أَنَّ صِيَامَهُ وَاجِبٌ كَاخْتِيَارِ الْقَاضِي والخرقي وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَد وَهَذَا يُقَالُ إنَّهُ أَشْهَرُ الرِّوَايَاتِ عَنْ أَحْمَد لَكِنَّ الثَّابِتَ عَنْ أَحْمَد لِمَنْ عَرَفَ نُصُوصَهُ وَأَلْفَاظَهُ أَنَّهُ كَانَ يَسْتَحِبُّ صِيَامَ يَوْمِ الْغَيْمِ اتِّبَاعًا لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَلَمْ يَكُنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ يُوجِبُهُ عَلَى النَّاسِ بَلْ كَانَ يَفْعَلُهُ احْتِيَاطًا وَكَانَ الصَّحَابَةُ فِيهِمْ مَنْ يَصُومُهُ احْتِيَاطًا وَنُقِلَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَمُعَاوِيَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ وَأَسْمَاءَ وَغَيْرِهِمْ . وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ لَا يَصُومُهُ مِثْلُ كَثِيرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يَنْهَى عَنْهُ . كَعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ وَغَيْرِهِ فَأَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يَصُومُهُ احْتِيَاطًا . وَأَمَّا إيجَابُ صَوْمِهِ فَلَا أَصْلَ لَهُ فِي كَلَامِ أَحْمَد وَلَا كَلَامِ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ ؛ لَكِنْ كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ اعْتَقَدُوا أَنَّ مَذْهَبَهُ إيجَابُ صَوْمِهِ وَنَصَرُوا ذَلِكَ الْقَوْلَ .
وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ : أَنَّهُ يَجُوزُ صَوْمُهُ وَيَجُوزُ فِطْرُهُ وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَد الْمَنْصُوصُ الصَّرِيحُ عَنْهُ وَهُوَ مَذْهَبُ كَثِيرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ أَوْ أَكْثَرِهِمْ .
وَهَذَا كَمَا أَنَّ الْإِمْسَاكَ عِنْدَ الْحَائِلِ عَنْ رُؤْيَةِ الْفَجْرِ جَائِزٌ . فَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَ وَإِنْ شَاءَ أَكَلَ حَتَّى يَتَيَقَّنَ طُلُوعَ الْفَجْرِ وَكَذَلِكَ إذَا شَكَّ هَلْ أَحْدَثَ ؟ أَمْ لَا ؟ إنْ شَاءَ تَوَضَّأَ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَتَوَضَّأْ .
وَكَذَلِكَ إذَا شَكَّ هَلْ حَالَ حَوْلُ الزَّكَاةِ ؟ أَوْ لَمْ يَحُلْ ؟ وَإِذَا شَكَّ هَلْ الزَّكَاةُ الْوَاجِبَةُ عَلَيْهِ مِائَةٌ ؟ أَوْ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ ؟ فَأَدَّى الزِّيَادَةَ .
هذه مسائل متعددة , منها إذا شك في طلوع الفجر أو لا ؟ فله أن يأكل وله أن يمسك لأن الله قال { حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ } فإن أمسك فقد بنى على أصل وهو أن الأصل بقاء الليل , فإن أكل فهو الموافق للآية { حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ }, لكن أحيانا يغلب على ظنه أنه طلع الفجر فيحتاط بالإمساك .
وكذلك إذا شك هل أحدث أم لا ؟ الأصل أنه لا يتوضأ لكن لو توضأ فلا بأس إلا إذا خاف أن ينفتح عليه باب الوسواس فإنه لا يلتفت لهذا الشك ولا يعمل به ولا يحتاط له .
إذا شك هل حال حول الزكاة أو لم يحل ؟ فهذا إن شاء أخرج الزكاة وإن شاء لم يخرج لأن الأصل عدم تمام الحول فله ألا يخرج الزكاة حتى يتيقن , وذلك أن الأصل بقاء ما كان على ما كان , لكن قد يقوى في ظن الإنسان أنه انتقل عن الأصل وقد يقوى أنه بقي على الأصل
وَأُصُولُ الشَّرِيعَةِ كُلُّهَا مُسْتَقِرَّةٌ عَلَى أَنَّ الِاحْتِيَاطَ لَيْسَ بِوَاجِبِ وَلَا مُحَرَّمٍ
ليس بواجب في باب ما يُفعل , ولا محرم في باب ما يُترك , وعلى هذا فإذا رأيت مثلا من كلام الإمام أحمد أو غيره من العلماء هذا أحوط فلا يعنون أنه واجب فيما يُفعل ولا أنه حرام في ما يترك بل هذا أرجح .
هناك قول لم يشر إليه المؤلف رحمه الله لكن أشار إليه غيره وهو أن الناس يتبعون الأمام في يوم الغيم والشك , إن صام صاموا وإلا فلا .
فإذا كانوا تحت ولاية يرى السلطان الأعظم يعني الرئيس الأعلى في الدولة أنه يجب صوم الغيم وجب على الناس أن يتبعوه لئلا يختلفوا وإلا فلا يصومون , وهذا رواية عن الإمام أحمد رحمه الله , والمسألة فيها سبعة أقوال لكن ذكر المؤلف رحمه الله الأقوال المشهورة وسكت عن الأقوال التي ليست مشهورة , لكن مسألة أنهم يتبعون الإمام قول مشهور معروف .
ثُمَّ إذَا صَامَهُ بِنِيَّةِ مُطْلَقَةٍ أَوْ بِنِيَّةٍ مُعَلَّقَةٍ بِأَنْ يَنْوِيَ إنْ كَانَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ كَانَ عَنْ رَمَضَانَ وَإِلَّا فَلَا .
فَإِنَّ ذَلِكَ يَجْزِيهِ فِي مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ وَهِيَ الَّتِي نَقَلَهَا المروذي وَغَيْرُهُ وَهَذَا اخْتِيَارُ الخرقي فِي شَرْحِهِ لِلْمُخْتَصَرِ وَاخْتِيَارُ أَبِي الْبَرَكَاتِ وَغَيْرِهِمَا .
وَالْقَوْلُ الثَّانِي : أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ إلَّا بِنِيَّةِ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ كَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَد اخْتَارَهَا الْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ .
والصحيح القول الأول , وعلى هذا لو نام الإنسان ليلة ثلاثين من شعبان بنية أنه إن كان من رمضان فهو صائم وإلا فهو مفطر ثم لم يستيقظ إلا بعد طلوع الفجر وقيل له إن الناس قد صاموا فإنه يستمر في صومه ويجزئه عن صوم رمضان .
وَسُئِلَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - :
عَنْ الْمُسَافِرِ فِي رَمَضَانَ وَمَنْ يَصُومُ يُنْكَرُ عَلَيْهِ وَيُنْسَبُ إلَى الْجَهْلِ . وَيُقَالُ لَهُ الْفِطْرُ أَفْضَلُ وَمَا هُوَ مَسَافَةُ الْقَصْرِ : وَهَلْ إذَا أَنْشَأَ السَّفَرَ مِنْ يَوْمِهِ يُفْطِرُ ؟ ؟ وَهَلْ يُفْطِرُ السُّفَّارُ مِنْ الْمُكَارِيَةِ وَالتُّجَّارِ وَالْجَمَّالِ وَالْمَلَّاحِ وَرَاكِبِ الْبَحْرِ ؟ وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ سَفَرِ الطَّاعَةِ وَسَفَرِ الْمَعْصِيَةِ ؟
فَأَجَابَ :
الْحَمْدُ لِلَّهِ ، الْفِطْرُ لِلْمُسَافِرِ جَائِزٌ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ سَوَاءٌ كَانَ سَفَرَ حَجٍّ أَوْ جِهَادٍ أَوْ تِجَارَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْفَارِ الَّتِي لَا يَكْرَهُهَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ . وَتَنَازَعُوا فِي سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ كَاَلَّذِي يُسَافِرُ لِيَقْطَعَ الطَّرِيقَ وَنَحْوِ ذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ مَشْهُورَيْنِ كَمَا تَنَازَعُوا فِي قَصْرِ الصَّلَاةِ . فَأَمَّا السَّفَرُ الَّذِي تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ فِيهِ الْفِطْرُ مَعَ الْقَضَاءِ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ وَيَجُوزُ الْفِطْرُ لِلْمُسَافِرِ بِاتِّفَاقِ الْأُمَّةِ سَوَاءٌ كَانَ قَادِرًا عَلَى الصِّيَامِ أَوْ عَاجِزًا وَسَوَاءٌ شَقَّ عَلَيْهِ الصَّوْمُ أَوْ لَمْ يَشُقَّ بِحَيْثُ لَوْ كَانَ مُسَافِرًا فِي الظِّلِّ وَالْمَاءِ وَمَعَهُ مَنْ يَخْدِمُهُ جَازَ لَهُ الْفِطْرُ وَالْقَصْرُ . وَمَنْ قَالَ : إنَّ الْفِطْرَ لَا يَجُوزُ إلَّا لِمَنْ عَجَزَ عَنْ الصِّيَامِ فَإِنَّهُ يُسْتَتَابُ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ .
لإظهار هذه البدعة المنكرة التي تصادم النص , لأن النص صريح { وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } (185) سورة البقرة .
وَكَذَلِكَ مَنْ أَنْكَرَ عَلَى الْمُفْطِرِ فَإِنَّهُ يُسْتَتَابُ مِنْ ذَلِكَ .
فإن تاب وإلا قتل وذلك لدرء مفسدته ودحض قوله الباطل , لكن هل يقتل كفرا أو يقتل تعزيرا ؟ يحتمل كلام المؤلف رحمه الله أنه يقتل كفرا أو تعزيرا لكن المهم أن يعدم حتى لا يشيع رأيه الفاسد .
وَمَنْ قَالَ : إنَّ الْمُفْطِرَ عَلَيْهِ إثْمٌ فَإِنَّهُ يُسْتَتَابُ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّ هَذِهِ [الْأَقْوَالَ ] خِلَافُ كِتَابِ اللَّهِ وَخِلَافُ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخِلَافُ إجْمَاعِ الْأُمَّةِ . وَهَكَذَا السُّنَّةُ لِلْمُسَافِرِ أَنَّهُ يُصَلِّي الرُّبَاعِيَّةَ رَكْعَتَيْنِ وَالْقَصْرُ أَفْضَلُ لَهُ مِنْ التَّرْبِيعِ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ : كَمَذْهَبِ مَالِكٌ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد وَالشَّافِعِيِّ فِي أَصَحِّ قَوْلَيْهِ . وَلَمْ تَتَنَازَعْ الْأُمَّةُ فِي جَوَازِ الْفِطْرِ لِلْمُسَافِرِ ؛ بَلْ تَنَازَعُوا فِي جَوَازِ الصِّيَامِ لِلْمُسَافِرِ فَذَهَبَ طَائِفَةٌ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ إلَى أَنَّ الصَّائِمَ فِي السَّفَرِ كَالْمُفْطِرِ فِي الْحَضَرِ وَإِنَّهُ إذَا صَامَ لَمْ يَجْزِهِ بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَقْضِيَ وَيُرْوَى هَذَا عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِمَا مِنْ السَّلَفِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ الظَّاهِرِ . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : " { لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ } لَكِنْ مَذْهَبُ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُسَافِرِ أَنْ يَصُومَ وَأَنْ يُفْطِرَ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ { أَنَسٍ قَالَ : كُنَّا نُسَافِرُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَمَضَانَ فَمِنَّا الصَّائِمُ وَمِنَّا الْمُفْطِرُ فَلَا يَعِيبُ الصَّائِمُ عَلَى الْمُفْطِرِ وَلَا الْمُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ } وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ } وَفِي الْمُسْنَدِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ يُؤْخَذَ بِرُخَصِهِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ تُؤْتَى مَعْصِيَتُهُ } وَفِي الصَّحِيحِ { أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنِّي رَجُلٌ أُكْثِرُ الصَّوْمَ أَفَأَصُومُ فِي السَّفَرِ ؟ فَقَالَ : إنْ أَفْطَرْت فَحَسَنٌ وَإِنْ صُمْت فَلَا بَأْسَ } . وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ " { خِيَارُكُمْ الَّذِينَ فِي السَّفَرِ يَقْصُرُونَ وَيُفْطِرُونَ } . وَأَمَّا مِقْدَارُ السَّفَرِ الَّذِي يُقْصَرُ فِيهِ وَيُفْطَرُ : فَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد أَنَّهُ مَسِيرَةُ يَوْمَيْنِ قَاصِدَيْنِ بِسَيْرِ الْإِبِلِ وَالْأَقْدَامِ وَهُوَ سِتَّةُ عَشَرَ فَرْسَخًا كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وعسفان وَمَكَّةَ وَجُدَّةَ .
بين مكة وجدة في عهد المؤلف والآن بينهما أقل بكثير من مسافة القصر , لكن الصحيح أنها لا تتحدد بمسافة وإنما يتحدد أعني السفر بالعرف , فما قال الناس أنه سفر فهو سفر , وقد قال شيخ الإسلام رحمه الله في موضع من كلامه : قد تكون المدة القصيرة سفرا لطول المسافة , وقد تكون المدة الطويلة سفرا مع قِصر المسافة .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : مَسِيرَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ . وَقَالَ طَائِفَةٌ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ : بَلْ يَقْصُرُ وَيُفْطِرُ فِي أَقَلَّ مِنْ يَوْمَيْنِ . وَهَذَا قَوْلٌ قَوِيٌّ فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي بِعَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ وَمِنًى يَقْصُرُ الصَّلَاةَ وَخَلْفَهُ أَهْلُ مَكَّةَ وَغَيْرُهُمْ يُصَلُّونِ بِصَلَاتِهِ لَمْ يَأْمُرْ أَحَدًا مِنْهُمْ بِإِتْمَامِ الصَّلَاةِ . وَإِذَا سَافَرَ فِي أَثْنَاءِ يَوْمٍ فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ الْفِطْرُ ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ مَشْهُورَيْنِ لِلْعُلَمَاءِ هُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَد . أَظْهَرُهُمَا : أَنَّهُ يَجُوزُ ذَلِكَ . كَمَا ثَبَتَ فِي السُّنَنِ أَنَّ مِنْ الصَّحَابَةِ مَنْ كَانَ يُفْطِرُ إذَا خَرَجَ مِنْ يَوْمِهِ وَيَذْكُرُ أَنَّ ذَلِكَ سُنَّةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ { عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَوَى الصَّوْمَ فِي السَّفَرِ ثُمَّ إنَّهُ دَعَا بِمَاءٍ فَأَفْطَرَ وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ إلَيْهِ } . وَأَمَّا الْيَوْمُ الثَّانِي : فَيُفْطِرُ فِيهِ بِلَا رَيْبٍ وَإِنْ كَانَ مِقْدَارُ سَفَرِهِ يَوْمَيْنِ فِي مَذْهَبِ جُمْهُورِ الْأَئِمَّةِ وَالْأُمَّةِ . وَأَمَّا إذَا قَدِمَ الْمُسَافِرُ فِي أَثْنَاءِ يَوْمٍ فَفِي وُجُوبِ الْإِمْسَاكِ عَلَيْهِ نِزَاعٌ مَشْهُورٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ ؛ لَكِنْ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ سَوَاءً أَمْسَكَ أَوْ لَمْ يُمْسِكْ .
والصحيح أنه لا يلزمه الإمساك , فإذا قدم مفطرا يعني قدم إلى بلده مفطرا فإنه يبقى على فطره , وكذلك لو طهرت المرأة الحائض في أثناء النهار فإنه لايلزمها أن تمسك لأنه لافائدة في هذا الإمساك , ولم يوجب الله على عباده عملا لا فائدة منه , وأما قولهم : إن الزمن محترم لأنه نهار رمضان , فنقول : لكن هذا الزمن في حق هذا الرجل أصبح غير محترم لأن الله أباح له أن يأكل ويشرب في أوله , ولهذا قال ابن مسعود رضي الله عنه "من أكل أول النهار فليأكل آخره " وهذا في من أفطر لعذر , وأما من تعمد الفطر فإنه لايحل له أن يستمر فيه , وبهذا تبطل حيلة المحتالين الذين قالوا : إذا أردت أن تجامع امرأتك و يلومك الكفارة في نهار رمضان فكل تمرا أولا ثم جامع ثانيا من أجل أن يصادف أكلُك وأنت على زعمهم مفطر , فنقول : هو وإن أفطر لكنه حُكما يلزمه الإمساك .
فالصواب أن كل من كان مفطرا في أول النهار لعذر فإنه لايلزمه الإمساك , بشرط أن يكون هذا العذر وجود مانع , أما إذا كان أكله لعدم وجود الموجِب فهنا إذا وجِد الموجب وجب الإمساك ويثاب عليه , فيُفرَّق بين زوال المانع ووجود الموجِب , زوال المانع كما ذكرنا مسافر قدم مفطرا نقل هذا زال المانع في حقه يعني مانع الوجوب وهو السفر , حائض طهرت هذه أيضا زال المانع في حقها أي مانع الوجوب وهو الحيض .
كافر أسلم يلزمه الإمساك على القول الراجح لماذا ؟ لأن هذا تجدد الوجوب في حقه فهو كما لو قامت البينة في أثناء النهار فيلزمه الإمساك , وهل يلزمه القضاء ؟ على قولين والصحيح أنه لايلزمه القضاء لأنه كان في أول النهار ليس من أهل الوجوب .
وكذلك صبي بلغ في أثناء النهار فإنه يلزمه الإمساك ولا يلزمه القضاء , فيجب أن نعرف الفرق بين زوال المانع ووجود الموجِب.
وَيُفْطِرُ مَنْ عَادَتُهُ السَّفَرُ إذَا كَانَ لَهُ بَلَدٌ يَأْوِي إلَيْهِ . كَالتَّاجِرِ الْجَلَّابِ الَّذِي يَجْلِبُ الطَّعَامَ وَغَيْرَهُ مِنْ السِّلَعِ وَكَالْمُكَارِي الَّذِي يُكْرِي دَوَابَّهُ مِنْ الْجُلَّابِ وَغَيْرِهِمْ . وَكَالْبَرِيدِ الَّذِي يُسَافِرُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَنَحْوِهِمْ . وَكَذَلِكَ الْمَلَّاحُ الَّذِي لَهُ مَكَانٌ فِي الْبَرِّ يَسْكُنُهُ . فَأَمَّا مَنْ كَانَ مَعَهُ فِي السَّفِينَةِ امْرَأَتُهُ وَجَمِيعُ مَصَالِحِهِ وَلَا يَزَالُ مُسَافِرًا فَهَذَا لَا يَقْصُرُ وَلَا يُفْطِرُ . وَأَهْلُ الْبَادِيَةِ : كَأَعْرَابِ الْعَرَبِ وَالْأَكْرَادِ وَالتُّرْكِ وَغَيْرِهِمْ الَّذِينَ يُشَتُّونَ فِي مَكَانٍ وَيُصَيِّفُونَ فِي مَكَانٍ إذَا كَانُوا فِي حَالِ ظَعْنِهِمْ مِنْ الْمَشْتَى إلَى الْمَصِيفِ وَمِنْ الْمَصِيفِ إلَى الْمَشْتَى : فَإِنَّهُمْ يَقْصُرُونَ . وَأَمَّا إذَا نَزَلُوا بِمَشْتَاهُمْ وَمَصِيفِهِمْ لَمْ يُفْطِرُوا وَلَمْ يَقْصُرُوا . وَإِنْ كَانُوا يَتَتَبَّعُونَ الْمَرَاعِيَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
هذه مسألة مفيدة بعض الناس الآن يكون له رحلة الشتاء والصيف , فمثلا في أيام الصيف يذهب إلى البلاد الباردة وفي أيام الشتاء يذهب إلى البلاد الحارة فلا نقول إنه مسافر في البلدين لكن نقول هو مقيم في البلدين لكن المسافة التي بينهما يكون فيها مسافرا, يوجد مثلا عندنا أناس في أيام الصيف يذهبون إلى جنوب المملكة لأنه أبرد ويبقون فيه أربعة أشهر أو ستة أشهر حسب أحوالهم هؤلاء نقول لا يقصرون ولا يفطرون في رمضان ويرجعون في أيام الشتاء إلى أماكنهم فهؤلاء لا يقصرون ولا يفطرون لكن في المسافة بينهما كما قال الشيخ رحمه الله : يفطرون ويقصرون .
وَسُئِلَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - :
عَمَّنْ يَكُونُ مُسَافِرًا فِي رَمَضَانَ وَلَمْ يُصِبْهُ جُوعٌ وَلَا عَطَشٌ وَلَا تَعَبٌ : فَمَا الْأَفْضَلُ لَهُ الصِّيَامُ ؟ أَمْ الْإِفْطَارُ ؟
فَأَجَابَ : أَمَّا الْمُسَافِرُ فَيُفْطِرُ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ مَشَقَّةٌ وَالْفِطْرُ لَهُ أَفْضَلُ .
فمن قال لا يفطر إلا من وجد مشقة ماذا نقول ؟ يستتاب فإن تاب وإلا قتل .
وَإِنْ صَامَ جَازَ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ . وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ لَا يُجْزِئُهُ .
والحاصل الآن أن الفطر للمسافر جائز باتفاق المسلمين , والصوم للمسافر فيه خلاف فأهل الظاهر وجماعة من الصحابة قالوا لايصوم , لكن الصواب أنه يجوز هذا وهذا , والصواب أيضا أن الصوم أفضل إذا تساوى عنده الأمران , فإن كان الفطر أيسر فهو أفضل وهذا الذي قلته : هو مذهب الأئمة الثلاثة مالك والشافعي وأبي حنيفة أن الصوم أفضل , وقد سبق لنا تحرير القول في هذه المسألة وقلنا إن الأفضل أن يصوم إلا مع وجود مشقة ولو يسيرة فالفطر أفضل .
وَسُئِلَ :
عَنْ إمَامِ جَمَاعَةٍ بِمَسْجِدِ مَذْهَبُهُ حَنَفِيٌّ ذَكَرَ لِجَمَاعَتِهِ أَنَّ عِنْدَهُ كِتَابًا فِيهِ أَنَّ الصِّيَامَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ إذَا لَمْ يَنْوِ بِالصِّيَامِ قَبْلَ عِشَاءِ الْآخِرَةِ أَوْ بَعْدَهَا أَوْ وَقْتِ السُّحُورِ وَإِلَّا فَمَالَهُ فِي صِيَامِهِ أَجْرٌ : فَهَلْ هَذَا صَحِيحٌ ؟ أَمْ لَا ؟
فَأَجَابَ :
الْحَمْدُ لِلَّهِ ، عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ يَعْتَقِدُ أَنَّ الصَّوْمَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَصُومَ شَهْرَ رَمَضَانَ النِّيَّةُ فَإِذَا كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ غَدًا مِنْ رَمَضَانَ فَلَا بُدَّ أَنْ يَنْوِيَ الصَّوْمَ فَإِنَّ النِّيَّةَ مَحَلُّهَا الْقَلْبُ وَكُلُّ مَنْ عَلِمَ مَا يُرِيدُ فَلَا بُدَّ أَنْ يَنْوِيَهُ سَوَاءٌ تَلَفَّظَ بِالنِيَّةِ أَو لَم يَتَلَفَّظْ .
هذه قاعدة مفيدة : كل من علم ما يريد وهو مختار فلا بد أن ينويه بمجرد فعله ولا يحتاج إلى تَكَلُّم بالنية , حتى قال بعض العلماء لو كلفنا الله عملا بلا نية لكان من تكليف ما لا يطاق .
وَإِنَّ التَّكَلُّمُ بِالنِّيَّةِ لَيْسَ وَاجِبًا بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ فَعَامَّةُ الْمُسْلِمِينَ إنَّمَا يَصُومُونَ بِالنِّيَّةِ وَصَوْمُهُمْ صَحِيحٌ بِلَا نِزَاعٍ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَأَصْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ تَعْيِينَ النِّيَّةِ لِشَهْرِ رَمَضَانَ : هَلْ هُوَ وَاجِبٌ ؟ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد .
أَحَدُهَا : أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ رَمَضَانَ فَإِنْ صَامَ بِنِيَّةٍ مُطْلَقَةٍ أَوْ مُعَلَّقَةٍ أَوْ بِنِيَّةِ النَّفْلِ أَوْ النَّذْرِ لَمْ يُجْزِئْهُ ذَلِكَ كَالْمَشْهُورِ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد فِي إحْدَى الرِّوَايَاتِ .
بنية مطلقة بأن نوى الصيام ولم يطرأ على باله أنه عن رمضان أو غير رمضان , أو معلقة بأن قال إن كان غدا من رمضان فأنا صائم , أو بنية النفل أو النذر فالمسألتان الأخيرتان نوى غير رمضان , فعندنا ثلاث نيات في رمضان : معينة -مطلقة -معلقة .
أما إذا نوى غيره فلا شك أنه لايجزئه ولا يجزئه عن الغير الذي نواه أيضا فلو صامه عن نذر لم يجزئه ولو صامه عن رمضان الماضي لم يجزئه لأن هذا الوقت تَعَيَّن لرمضان فلو نوى غيره فيه لم يصح .
وَالثَّانِي : يُجْزِئُهُ مُطْلَقًا كَمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ .
لعل هذا القول مأخذه أن الزمن يُعَيِّنُ العمل , وأنه لو نوى غيره لم يصح لأن هذا مكان خاص للزمن فلا ينعقد فيه إلا ماكان مخصوصا له .
وَالثَّالِثُ : أَنَّهُ يُجْزِئُهُ بِنِيَّةٍ مُطْلَقَةٍ لَا بِنِيَّةِ تَعْيِينِ غَيْرِ رَمَضَانَ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ عَنْ أَحْمَد وَهِيَ اخْتِيَارُ الخرقي وَأَبِي الْبَرَكَاتِ .
وهو أوسطها وأعدلها أنه يجزئه بنية مطلقة يعني ينوي الصيام ولا حاجة للتعيين , لأنه إذا نوى الصيام في رمضان لو سألت أي واحد أَيَّ صيامٍ أردت ؟ لقال رمضان , قريب من هذا لو أن إنسانا دخل لصلاة الظهر وغاب عن ذهنه أنها صلاة ظهر , لكن في ذهنه أنها الصلاة المفروضة في هذا الوقت هل يجزئه ؟ المذهب لايجزئه , وهذه تقع كثيرا خصوصا إذا جاء الإنسان والإمام راكع مع العجلة يغيب عن ذهنه أنه الظهر أو العصر أو المغرب أو ما أشبه ذلك , لكنه لاشك أنه ما جاء ليصلي إلا على أنها فريضة هذا الوقت , لكن عن أحمد رواية ثانية أن الصلاة تجزئ بنية الفريضة المطلقة ويعينها الوقت وهذا هو الذي لايسع الناس غيره في كثير من الأحيان
وَتَحْقِيقُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ : أَنَّ النِّيَّةَ تَتْبَعُ الْعِلْمَ فَإِنْ عَلِمَ أَنَّ غَدًا مِنْ رَمَضَانَ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّعْيِينِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ . فَإِنْ نَوَى نَفْلًا أَوْ صَوْمًا مُطْلَقًا لَمْ يُجْزِئْهُ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ أَمَرَهُ أَنْ يَقْصِدَ أَدَاء الْوَاجِبِ عَلَيْهِ وَهُوَ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي عَلِمَ وُجُوبَهُ فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ الْوَاجِبَ لَمْ تَبْرَأْ ذِمَّتُهُ . وَأَمَّا إذَا كَانَ لَا يَعْلَمُ أَنَّ غَدًا مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ فَهُنَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّعْيِينُ وَمَنْ أَوْجَبَ التَّعْيِينَ مَعَ عَدَمِ الْعِلْمِ فَقَدْ أَوْجَبَ الْجَمْعَ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ . فَإِذَا قِيلَ إنَّهُ يَجُوزُ صَوْمُهُ وَصَامَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بِنِيَّةٍ مُطْلَقَةٍ أَوْ مُعَلَّقَةٍ أَجْزَأَهُ . وَأَمَّا إذَا قَصَدَ صَوْمَ ذَلِكَ تَطَوُّعًا ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ فَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ أَيْضًا
فيه نظر لأن ظاهر الحديث يخالفه "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ مانوى" لكنه ينطبق على رأي أبي حنيفة أنه لا يجب التعيين فعلى رأيه يصح لأنه يقول هذا الصوم وقع في وقت لا يصح فيه إلا صوم الفرض فكان فرضا , لكن الذي يظهر أنه إذا نوى تطوعا وتبين أنه من رمضان فإنه لا يجزئه.
لكن هل يستمر في صومه بنية التطوع ؟ لا , نقول يجب عليه أن يفسخ النية إلى أنه من رمضان , ثم هل تجزئه عن رمضان أم لا ؟ نقول أما على قول من يقول إنه إذا لم يعلم بالهلال إلا في أثناء النهار فإنه يمسك ويصح صومه فهذا لاشك أنه من باب أولى , وإذا قلنا لا يصح صومه فلا بد من القضاء , والقضاء أحوط .
كَمَنْ كَانَ لِرَجُلٍ عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ وَلَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ فَأَعْطَاهُ ذَلِكَ عَلَى طَرِيقِ التَّبَرُّعِ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ حَقُّهُ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى إعْطَائِهِ ثَانِيًا بَلْ يَقُولُ ذَلِكَ الَّذِي وَصَلَ إلَيْك هُوَ حَقٌّ كَانَ لَك عِنْدِي وَاَللَّهُ يَعْلَمُ حَقَائِقَ الْأُمُورِ . وَالرِّوَايَةُ الَّتِي تُرْوَى عَنْ أَحْمَد أَنَّ النَّاسَ فِيهِ تَبَعٌ لِلْإِمَامِ فِي نِيَّتِهِ عَلَى أَنَّ الصَّوْمَ وَالْفِطْرَ بِحَسَبِ مَا يَعْلَمُهُ النَّاسُ كَمَا فِي السُّنَنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { صَوْمُكُمْ يَوْمَ تَصُومُونَ وَفِطْرُكُمْ يَوْمَ تُفْطِرُونَ وَأَضْحَاكُمْ يَوْمَ تُضَحُّونَ } .
وَسُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ :
مَا يَقُولُ سَيِّدُنَا فِي صَائِمِ رَمَضَانَ هَلْ يَفْتَقِرُ كُلَّ يَوْمٍ إلَى نِيَّةٍ ؟ أَمْ لَا ؟
فَأَجَابَ :
كُلُّ مَنْ عَلِمَ أَنَّ غَدًا مِنْ رَمَضَانَ وَهُوَ يُرِيدُ صَوْمَهُ فَقَدْ نَوَى صَوْمَهُ سَوَاءٌ تَلَفَّظَ بِالنِّيَّةِ أَوْ لَمْ يَتَلَفَّظْ . وَهَذَا فِعْلُ عَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ كُلُّهُمْ يَنْوِي الصِّيَامَ .
هذا مافيه إشكال لا يحتاج إلى نية , فكل إنسان يقدم له السحور لاشك أنه نوى .
وَسُئِلَ :
عَنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ : هَلْ يَجُوزُ لِلصَّائِمِ أَنْ يُفْطِرَ بِمُجَرَّدِ غُرُوبِهَا ؟
فَأَجَابَ :
إذَا غَابَ جَمِيعُ الْقُرْصِ أَفْطَرَ الصَّائِمُ وَلَا عِبْرَةَ بِالْحُمْرَةِ الشَّدِيدَةِ الْبَاقِيَةِ فِي الْأُفُقِ .
وَإِذَا غَابَ جَمِيعُ الْقُرْصِ ظَهَرَ السَّوَادُ مِنْ الْمَشْرِقِ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " { إذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَاهُنَا وَأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَاهُنَا وَغَرَبَتْ الشَّمْسُ فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ } .
يظهر السواد في المشرق , أما الحمرة في المشرق فتظهر قبل أن يغيب القرص لكن إذا غاب القرص ظهر السواد في المشرق كما قال الشيخ.
وَسُئِلَ :
عَمَّا إذَا أَكَلَ بَعْدَ أَذَانِ الصُّبْحِ فِي رَمَضَانَ مَاذَا يَكُونُ ؟
فَأَجَابَ :
الْحَمْدُ لِلَّهِ ، أَمَّا إذَا كَانَ الْمُؤَذِّنُ يُؤَذِّنُ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ كَمَا كَانَ بِلَالٌ يُؤَذِّنُ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَمَا يُؤَذِّنُ الْمُؤَذِّنُونَ فِي دِمَشْقَ وَغَيْرِهَا قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَلَا بَأْسَ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ بَعْدَ ذَلِكَ بِزَمَنِ يَسِيرٍ . وَإِنْ شَكَّ : هَلْ طَلَعَ الْفَجْرُ ؟ أَوْ لَمْ يَطْلُعْ ؟ فَلَهُ أَنْ يَأْكُلَ وَيَشْرَبَ حَتَّى يَتَبَيَّنَ الطُّلُوعَ وَلَوْ عَلِمَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ أَكَلَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَفِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ نِزَاعٌ . وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَهُوَ الثَّابِتُ عَنْ عُمَرَ وَقَالَ بِهِ طَائِفَةٌ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَالْقَضَاءُ هُوَ الْمَشْهُورُ فِي مَذْهَبِ الْفُقَهَاءِ الْأَرْبَعَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
الشيخ رحمه الله في الفتاوي جوابُهُ جوابٌ عام ليس فيه ذاك التحقيق والتحرير , وإلا لاشك أنه ثبت عن غير عمر , ثبت عن النبي-صلى الله عليه وسلم- في حديث أسماء بنت أبي بكر أنهم أفطروا في يوم غيم ثم طلعت الشمس ولم يأمرهم النبي-صلى الله عليه وسلم- بالقضاء وهذا أشد مما إذا أكلوا ثم تبين أنه بعد طلوع الفجر .
وَسُئِلَ :
عَنْ رَجُلٍ كُلَّمَا أَرَادَ أَنْ يَصُومَ أُغْمِيَ عَلَيْهِ وَيُزْبِدُ وَيَخْبِطُ فَيَبْقَى أَيَّامًا لَا يُفِيقُ حَتَّى يُتَّهَمَ أَنَّهُ جُنُونٌ . وَلَمْ يُتَحَقَّقْ ذَلِكَ مِنْهُ ؟
فَأَجَابَ :
الْحَمْدُ لِلَّهِ ، إنْ كَانَ الصَّوْمُ يُوجِبُ لَهُ مِثْلَ هَذَا الْمَرَضِ فَإِنَّهُ يُفْطِرُ وَيَقْضِي فَإِنْ كَانَ هَذَا يُصِيبُهُ فِي أَيِّ وَقْتٍ صَامَ كَانَ عَاجِزًا عَنْ الصِّيَامِ فَيُطْعِمُ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَسُئِلَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - :
عَنْ امْرَأَةٍ حَامِلٍ رَأَتْ شَيْئًا شِبْهَ الْحَيْضِ وَالدَّمُ مُوَاظِبُهَا وَذَكَرَ الْقَوَابِلُ أَنَّ الْمَرْأَةَ تُفْطِرُ لِأَجْلِ مَنْفَعَةِ الْجَنِينِ وَلَمْ يَكُنْ بِالْمَرْأَةِ أَلَمٌ : فَهَلْ يَجُوزُ لَهَا الْفِطْرُ ؟ أَمْ لَا ؟
فَأَجَابَ :
إنْ كَانَتْ الْحَامِلُ تَخَافُ عَلَى جَنِينِهَا فَإِنَّهَا تُفْطِرُ وَتَقْضِي عَنْ كُلِّ يَوْمٍ يَوْمًا وَتُطْعِمُ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا رِطْلًا مِنْ خُبْزٍ بِأُدْمِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
الصحيح أنه لا يلزم الإطعام .