السلام عليكم ورحمة الله وبركاتــــه
*2* 27 - باب تعظيم حرمات المسلمين وبيان حقوقهم والشفقة عليهم ورحمتهم
@قال اللَّه تعالى (الحج 30): {ومن يعظم حرمات اللَّه فهو خير له عند ربه}.
وقال تعالى (الحج 32): {ومن يعظم شعائر اللَّه فإنها من تقوى القلوب}.
وقال تعالى (الحجر 88): {واخفض جناحك للمؤمنين}.
وقال تعالى (المائدة 32): {من قتل نفساً تغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً}.
222 - وعن أبي موسى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال، قال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: <المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً> وشبك بين أصابعه. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
223 - وعنه رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال، قال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: <من مر في شيء من مساجدنا أو أسواقنا ومعه نبل فليمسك أو ليقبض على نصالها بكفه أن يصيب أحداً من المسلمين منها بشيء> مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
224 - وعن النعمان بن بشير رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال، قال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: <مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى سائر الجسد بالسهر والحمى> مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
225 - وعن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال : قبل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم الحسن بن علي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وعنده الأقرع بن حابس، فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحداً. فنظر إليه رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم فقال: <من لا يرحم لا يرحم!> مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
226 - وعن عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قالت: قدم ناس من الأعراب على رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم فقالوا: أتقبلون صبيانكم؟ فقال: <نعم> قالوا: لكنا والله ما نقبل. فقال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: <أو أملك أن كان اللَّه نزع من قلوبكم الرحمة> مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
227 - وعن جرير بن عبد اللَّه رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال، قال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: <من لا يرحم الناس لا يرحمه اللَّه> مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
228 - وعن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم قال: <إذا صلى أحدكم للناس فليخفف؛ فإن فيهم الضعيف والسقيم والكبير، وإذا صلى أحدكم لنفسه فليطول ما شاء> مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وفي رواية: <وذا الحاجة> .
229 - وعن عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قالت: إن كان رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ليدع العمل وهو يحب أن يعمل خشية أن يعمل به الناس فيفرض عليهم> مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
230 - وعنها رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قالت نهاهم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم عن الوصال رحمة لهم فقالوا: إنك تواصل؟ قال: <إني لست كهيئتكم إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني> مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
معناه: يجعل في قوة من أكل وشرب.
231 - وعن أبي قتادة الحارث بن ربعي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال، قال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: <إن لأقوم إلى الصلاة وأريد أن أطول فيها فأسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي كراهية أن أشق على أمه> رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
232 - وعن جندب بن عبد اللَّه رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال، قال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: <من صلى صلاة الصبح فهو في ذمة اللَّه فلا يطلبنكم اللَّه من ذمته بشيء؛ فإنه من يطلبه من ذمته بشيء يدركه ثم يكبه على وجهه في نار جهنم> رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
233 - وعن ابن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم قال: <المسلم أخو المسلم: لا يظلمه ولا يسلمه، من كان في حاجة أخيه كان اللَّه في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج اللَّه عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره اللَّه يوم القيامة> مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
234 - وعن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال، قال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: <المسلم أخو المسلم: لا يخونه ولا يكذبه، ولا يخذله؛ كل المسلم على المسلم حرام: عرضه، وماله، ودمه. التقوى ههنا، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم> رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيْثٌ حَسَنٌ.
235 - وعنه رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال، قال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: <لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض؛ وكونوا عباد اللَّه إخواناً. المسلم أخو المسلم: لا يظلمه، ولا يحقره، ولا يخذله، التقوى ههنا (ويشير إلى صدره ثلاث مرات) بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم؛ كل المسلم على المسلم حرام: دمه، وماله، وعرضه> رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
<النجش> : أن يزيد في ثمن سلعة ينادى عليها في السوق ونحوه ولا رغبة في شرائها بل يقصد أن يغر غيره، وهذا حرام.
و <التدابر> : أن يعرض عن الإنسان ويهجره ويجعله كالشيء الذي وراء الظهر والدبر.
236 - وعن أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم قال: <لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه> مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
237 - وعنه رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال، قال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: <انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً> فقال رجل: يا رَسُول اللَّهِ أنصره إذا كان مظلوماً أرأيت إن كان ظالماً كيف أنصره؟ قال: <تحجزه أو تمنعه من الظلم فإن ذلك نصره> رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
238 - وعن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم قال: <حق المسلم على المسلم خمس: رد السلام، وعيادة المريض، واتباع الجنائز، وإجابة الدعوة، وتشميت العاطس> مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وفي رواية لمسلم <حق المسلم على المسلم ست: إذا لقيته فسلم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس فحمد اللَّه فشمته، وإذا مرض فعده، وإذا مات فاتبعه> .
239 - وعن أبي عمارة البراء بن عازب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: أمرنا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم بسبع ونهانا عن سبع: أمرنا بعيادة المريض، واتباع الجنازة، وتشميت العاطس، وإبرار المقسم، ونصر المظلوم، وإجابة الداعي، وإفشاء السلام. ونهانا عن خواتيم أو تختم بالذهب، وعن شرب بالفضة، وعن المياثر الحمر، وعن القسي، وعن لبس الحرير، الإستبرق، والديباج> مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وفي رواية <وإنشاد الضالة> في السبع الأول.
<المياثر> بياء مثناة قبل الألف، وثاء مثلثة بعدها، وهي جمع ميثرة، وهي شيء يتخذ من حرير ويحشى قطناً أو غيره ويجعل في السرج وكور البعير يجلس عليه الراكب.
و <القسي> بفتح القاف وكسر السين المهملة المشددة: وهي ثياب تنسج من حرير وكتان مختلطين.
و <إنشاد الضالة> : تعريفها.
*2* 28 - باب ستر عورات المسلمين والنهي عن إشاعتها لغير ضرورة
@قال اللَّه تعالى (النور 19): {إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة}.
240 - وعن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم قال: <لا يستر عبد عبداً في الدنيا إلا ستره اللَّه يوم القيامة> رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
241 - وعنه رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال سمعت رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم يقول: <كل أمتي معافىً إلا المهاجرين، وإن من المهاجرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً ثم يصبح وقد ستره اللَّه عليه فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا وكذا وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر اللَّه عليه> مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
242 - وعنه رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم قال: <إذا زنت الأمة فتبين زناها فليجلدها الحد ولا يثرب عليها، ثم إن زنت الثانية فليجلدها الحد ولا يثرب عليها، ثم إن زنت الثالثة فليبعها ولو بحبل من شعر> مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
<التثريب> : التوبيخ.
243 - وعنه رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال أتي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم برجل قد شرب قال: <اضربوه> قال أبو هريرة: فمنا الضارب بيده، والضارب بنعله، الضارب بثوبه. فلما انصرف قال بعض القوم: أخزاك اللَّه. قال: <لا تقولوا هكذا؛ لا تعينوا عليه الشيطان> رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
*2* 29 - باب قضاء حوائج المسلمين
@قال اللَّه تعالى (الحج 77): {وافعلوا الخير لعلكم تفلحون}.
244 - وعن ابن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم قال: <المسلم أخو المسلم: لا يظلمه، ولا يسلمه. من كان في حاجة أخيه كان اللَّه في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج اللَّه عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره اللَّه يوم القيامة> مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
245 - وعن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم قال: <من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس اللَّه عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر اللَّه عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلماً ستره اللَّه في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل اللَّه له به طريقاً إلى الجنة، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت اللَّه تعالى يتلون كتاب اللَّه ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم اللَّه فيمن عنده؛ ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه> رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
*2* 30 - باب الشفاعة
@قال اللَّه تعالى (النساء 85): {من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها}.
246 - وعن أبي موسى الأشعري رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم إذا أتاه طالب حاجة أقبل على جلسائه فقال: <اشفعوا تؤجروا ويقضي اللَّه على لسان نبيه ما أحب> مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وفي رواية: <ما شاء> .
247 - وعن ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ في قصة بريرة وزوجها قال، قال لها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: <لو راجعته؟> قالت: يا رَسُول اللَّهِ تأمرني؟ قال: <إنما أشفع> قالت: لا حاجة لي فيه. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
*2* 31 - باب الإصلاح بين الناس
@قال اللَّه تعالى (النساء 114): {لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة، أو بمعروف، أو إصلاح بين الناس}.
وقال تعالى (النساء 128): {والصلح خير}.
وقال تعالى (الأنفال 1): {فاتقوا اللَّه وأصلحوا ذات بينكم}.
وقال تعالى (الحجرات 10): {إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم}.
248 - وعن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال، قال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: <كل سلامى من الناس عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس: يعدل بين الاثنين صدقة، ويعين الرجل في دابته فتحمله عليها أو ترفع له عليها متاعه صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، وبكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة، وتميط الأذى عن الطريق صدقة> مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ومعنى <تعدل بينهما> : يصلح بينهما بالعدل.
249 - وعن أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قالت سمعت رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم يقول: <ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيراً أو يقول خيراً> مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وفي رواية مسلم زيادة قالت: ولم أسمعه يرخص في شيء مما يقول الناس إلا في ثلاث: تعني الحرب، والإصلاح بين الناس، وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها.
250 - وعن عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قالت: سمع رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم صوت خصوم بالباب عالية أصواتهما، وإذا أحدهما يستوضع الآخر ويسترفقه في شيء وهو يقول: والله لا أفعل. فخرج عليهما رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم فقال: <أين المتألي على اللَّه لا يفعل المعروف؟!> فقال: أنا يا رَسُول اللَّهِ فله أي ذلك أحب. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
معنى <يستوضعه> يسأله أن يضع عنه بعض دينه.
و <يسترفقه> : يسأله الرفق.
و <والمتألي> : الحالف.
251 - وعن أبي العباس سهل بن سعد الساعدي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم بلغه أن بني عمرو بن عوف كان بينهم شر فخرج رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم يصلح بينهم في أناس معه، فحبس رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم وحانت الصلاة، فجاء بلال إلى أبي بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فقال: يا أبا بكر إن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم قد حبس وحانت الصلاة فهل لك أن تؤم الناس؟ قال: نعم إن شئت. فأقام بلال وتقدم أبو بكر فكبر وكبر الناس وجاء رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم يمشي في الصفوف حتى قام في الصف، فأخذ الناس في التصفيق، وكان أبو بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لا يلتفت في صلاته فلما أكثر الناس التصفيق التفت فإذا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم، فأشار إليه رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم، فرفع أبو بكر يديه فحمد اللَّه ورجع القهقرى وراءه حتى قام في الصف، فتقدم رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم فصلى للناس فلما فرغ أقبل على الناس فقال: <يا أيها الناس ما لكم حين نابكم شيء في الصلاة أخذتم في التصفيق؟ إنما التصفيق للنساء، من نابه شيء في صلاته فليقل: سبحان اللَّه؛ فإنه لا يسمعه أحد حين يقول سبحان اللَّه إلا التفت. يا أبا بكر ما منعك أن تصلي بالناس حين أشرت إليك؟> فقال أبو بكر: ما كان ينبغي لابن أبي قحافة أن يصلي بين يدي رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
معنى <حبس> : أمسكوه ليضيفوه.
*2* 32 - باب فضل ضعفة المسلمين والفقراء والخاملين
@قال اللَّه تعالى (الكهف 28): {واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه، ولا تعد عيناك عنهم}.
252 - وعن حارثة بن وهب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال سمعت رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم يقول: <ألا أخبركم بأهل الجنة؟ كل ضعيف متضعف لو أقسم على اللَّه لأبره. ألا أخبركم بأهل النار؟ كل عتل جواظ مستكبر> مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
<العتل> : الغليظ الجافي.
و <الجواظ> بفتح الجيم وتشديد الواو وبالظاء المعجمة: هو الجموع المنوع. وقيل: الضخم المختال في مشيته. وقيل: القصير البطين.
253 - وعن أبي العباس سهل بن سعد الساعدي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال مر رجل على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم فقال لرجل عنده جالس: <ما رأيك في هذا؟> فقال: رجل من أشراف الناس، هذا والله حري إن خطب أن ينكح وإن شفع أن يشفع. فسكت رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ثم مر رجل آخر فقال له رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: <ما رأيك في هذا؟> فقال: يا رَسُول اللَّهِ هذا رجل من فقراء المسلمين، هذا حري إن خطب أن لا ينكح، وإن شفع أن لا يشفع، وإن قال أن لا يسمع لقوله. فقال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: <هذا خير من ملء الأرض مثل هذا> مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
قوله <حري> هو بفتح الحاء وكسر الراء وتشديد الياء: أي حقيق.
وقوله: <شفع> بفتح الفاء.
254 - وعن أبي سعيد الخدري رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم قال: <احتجت الجنة والنار فقالت النار: في الجبارون والمتكبرون، وقالت الجنة: في ضعفاء الناس ومساكينهم. فقضى اللَّه بينهما: إنك الجنة رحمتي أرحم بك من أشاء، وإنك النار عذابي أعذب بك من أشاء، لكليكما علي ملؤها> رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
255 - وعن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم قال: <إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند اللَّه جناح بعوضة> مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
256 - وعنه رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أن امرأة سوداء كانت تقم المسجد أو شاباً ففقدها رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم فسأل عنها أو عنه فقالوا مات قال: <أفلا كنتم آذنتموني> فكأنهم صغروا أمرها أو أمره. فقال: <دلوني على قبره> فدلوه فصلى عليه ثم قال: <إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها، وإن اللَّه ينورها لهم بصلاتي عليهم> مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
قوله: <تقم> هو بفتح التاء وضم القاف: أي تكنس. <والقمامة> : الكناسة.
و <آذنتموني> بمد الهمزة: أي أعلمتموني.
257 - وعنه رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال، قال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: <رب أشعث مدفوع بالأبواب لو أقسم على اللَّه لأبره> رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
258 - وعن أسامة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم قال: <قمت على باب الجنة فإذا عامة من دخلها المساكين وأصحاب الجد محبوسون، غير أن أصحاب النار قد أمر بهم إلى النار، وقمت على باب النار فإذا عامة من دخلها النساء> مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
و <الجد> بفتح الجيم: الحظ والغنى.
وقوله <محبوسون> : أي لم يؤذن لهم بعد في دخول الجنة.
259 - وعن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم قال: <لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة: عيسى ابن مريم، صاحب جريج. وكان جريج رجلاً عابداً فاتخذ صومعة فكان فيها، فأتته أمه وهو يصلي فقالت: يا جريج. فقال: يا رب أمي وصلاتي. فأقبل على صلاته فانصرفت. فلما كان من الغد أتته وهو يصلي فقالت: يا جريج. فقال: يا رب أمي وصلاتي. فأقبل على صلاته فلما كان من الغد أتته وهو يصلي فقالت: يا جريج. فقال: أي رب أمي وصلاتي. فأقبل على صلاته فقالت: اللهم لا تمته حتى ينظر إلى وجوه المومسات! فتذاكر بنو إسرائيل جريجاً وعبادته، وكانت امرأة بغي يتمثل بحسنها فقالت: إن شئتم لأفتننه. فتعرضت له فلم يلتفت إليها، فأتت راعياً كانت يأوي إلى صومعته فأمكنته من نفسها فوقع عليها فحملت فلما ولدت قالت هو من جريج. فأتوه فاستنزلوه وهدموا صومعته وجعلوا يضربونه. فقال: ما شأنكم؟ قالوا: زنيت بهذه البغي فولدت منك. قال: أين الصبي؟ فجاءوا به، فقال: دعوني حتى أصلي، فصلى فلما انصرف أتى الصبي فطعن في بطنه وقال: يا غلام من أبوك؟ قال: فلان الراعي. فأقبلوا على جريج يقبلونه ويتمسحون به. وقالوا نبني لك صومعتك من ذهب. قال: لا، أعيدوها من طين كما كانت، ففعلوا. وبينا صبي يرضع من أمه فمر راكب على دابة فارهة وشارة حسنة فقالت أمه: اللهم اجعل ابني مثل هذا. فترك الثدي وأقبل إليه فنظر إليه فقال: اللهم لا تجعلني مثله! ثم أقبل على ثديه فجعل يرضع. فكأني أنظر إلى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم وهو يحكي ارتضاعه بأصبعه السبابة في فيه فجعل يمصها. ثم قال: ومروا بجارية وهم يضربونها ويقولون زنيت سرقت، وهي تقول: حسبي اللَّه ونعم الوكيل. فقالت أمه: اللهم لا تجعل ابني مثلها! فترك الرضاع ونظر إليها فقال: اللهم اجعلني مثلها! فهنالك تراجعا الحديث فقالت: مر رجل حسن الهيئة فقلت اللهم اجعل ابني مثله فقلت اللهم لا تجعلني مثله، ومروا بهذه الأمة وهم يضربونها ويقولون زنيت سرقت فقلت اللهم لا تجعل ابني مثلها فقلت اللهم اجعلني مثلها؟ قال: إن ذلك الرجل جبار فقلت اللهم لا تجعلني مثله، وإن هذه يقولون زنيت ولم تزن وسرقت ولم تسرق فقلت: اللهم اجعلني مثلها> مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
<المومسات> : بضم الميم الأولى، وإسكان الواو وكسر الميم الثانية وبالسين المهملة؛ هن الزواني. المومسة: الزانية.
وقوله <دابة فارهة> بالفاء: أي حاذقة نفيسة.
و <الشارة> بالشين المعجمة وتخفيف الراء. وهي الجمال الظاهر في الهيئة والملبس.
ومعنى <تراجعا الحديث> أي حدثت الصبي وحدثها، والله أعلم.
*2* 33 - باب ملاطفة اليتيم والبنات وسائر الضعفة والمساكين والمنكسرين والإحسان إليهم والشفقة عليهم والتواضع معهم وخفض الجناح لهم
@قال اللَّه تعالى (الحجر 88): {واخفض جناحك للمؤمنين}.
وقال تعالى (الكهف 281): {واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه، ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا}.
وقال تعالى (الضحى 9، 10): {فأما اليتيم فلا تقهر، وأما السائل فلا تنهر}.
وقال تعالى (الماعون 1، 2، 3): {أرأيت الذي يكذب بالدين، فذلك الذي يدع اليتيم، ولا يحض على طعام المسكين}.
260 - وعن سعد بن أبي وقاص رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: كنا مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ستة نفر، فقال: المشركون للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: اطرد هؤلاء لا يجترئون علينا. وكنت أنا وابن مسعود وردل من هذيل وبلال ورجلان لست أسميهما، فوقع في نفس رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ما شاء اللَّه أن يقع: فحدث نفسه فأنزل اللَّه تعالى: {ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه} (الأنعام 52) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
261 - وعن أبي هبيرة عائذ بن عمرو المزني، وهو من أهل بيعة الرضوان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أن أبا سفيان أتى على سلمان وصهيب وبلال في نفر فقالوا: ما أخذت سيوف اللَّه من عدو اللَّه مأخذها. فقال أبو بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أتقولون هذا لشيخ قريش وسيدهم؟! فأتى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم فأخبره فقال: <يا أبا بكر لعلك أغضبتهم، لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك> . فأتاهم فقال: يا إخوتاه آغضبتكم؟ قالوا: لا، يغفر اللَّه لك يا أخي. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
قوله: <مأخذها> أي لم تستوف حقها منه.
وقوله: <يا أخي> روي بفتح الهمزة وكسر الخاء وتخفيف الياء. وروي بضم الهمزة وفتح الخاء وتشديد الياء.
262 - وعن سهل بن سعد رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال، قال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: <أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا> وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
و <كافل اليتيم> : القائم بأموره.
263 - وعن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال، قال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: <كافل اليتيم له أو لغيره أنا وهو كهاتين في الجنة> وأشار الراوي، وهو مالك بن أنس، بالسبابة والوسطى. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم <اليتيم له أو لغيره> معناه: قريبه أو الأجنبي منه. فالقريب مثل أن تكفله أمه أو جده أو أخوه أو غيرهم من قرابته، والله أعلم.
264 - وعنه رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال، قال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: <ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان ولا اللقمة واللقمتان، إنما المسكين الذي يتعفف> مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وفي رواية في الصحيحين <ليس المسكين الذي يطوف على الناس ترده اللقمة واللقمتان والتمرة والتمرتان، ولكن المسكين الذي لا يجد غنى يغنيه، ولا يفطن به فيتصدق عليه، ولا يقوم فيسأل الناس> .
265 - وعنه رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم قال: الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل اللَّه> وأحسبه قال: <وكالقائم لا يفتر، وكالصائم لا يفطر> مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
266 - وعنه رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم قال: <شر الطعام طعام الوليمة يمنعها من يأتيها ويدعى إليها من يأباها، ومن لم يجب الدعوة فقد عصى اللَّه ورسوله> رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وفي رواية في الصحيحين عن أبي هريرة من قوله: بئس الطعام طعام الوليمة يدعى إليها الأغنياء ويترك الفقراء.
267 - وعن أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم قال: <من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو كهاتين> وضم أصابعه. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
و <جاريتين> : أي بنتين.
268 - وعن عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قالت: دخلت علي امرأة ومعها ابنتان لها تسأل فلم تجد عندي شيئاً غير تمرة واحدة فأعطيتها إياها، فقسمتها بين ابنتيها ولم تأكل منها ثم قامت فخرجت، فدخل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم علينا فأخبرته. فقال: <من ابتلي من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن كن له ستراً من النار> مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
269 - وعن عائشة أيضاً رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قالت: جاءتني مسكينة بحمل ابنتين لها فأطعمتها ثلاث تمرات، فأعطت كل واحدة منهما تمرة ورفعت إلى فيها تمرة لتأكلها فاستطعمتها ابنتاها فشقت التمرة التي كانت تريد أن تأكلها بينهما، فأعجبني شأنها فذكرت الذي صنعت لرَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم فقال: <إن اللَّه قد أوجب لها بها الجنة أو أعتقها بها من النار> رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
270 - وعن أبي شريح خويلد بن عمرو الخزاعي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال، قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: <اللهم إني أحرج حق الضعيفين: اليتيم والمرأة> حديث حسن رواه النسائي بإسناد جيد.
ومعنى <أحرج> : ألحق الحرج وهو الإثم بمن ضيع حقهما، وأحذر من ذلك تحذيراً بليغاً، وأزجر عنه زجراً أكيداً.
271 - وعن مصعب بن سعد بن أبي وقاص رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: رأى سعد أن له فضلاً على من دونه فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: <هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم> رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ هكذا مرسلاً، فإن مصعب بن سعد تابعي، ورواه الحافظ أبو بكر البرقاني في صحيحه متصلاً عن مصعب عن أبيه رَضِيّ اللّهُ عَنْهُ.
272 - وعن أبي الدرداء عويمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال سمعت رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم يقول: <ابغوني الضعفاء؛ فإنما تنصرون، وترزقون بضعفائكم> رواه أبو داود بإسناد جيد.
*2* 34 - باب الوصية بالنساء
@قال اللَّه تعالى (النساء 19): {وعاشروهن بالمعروف}.
وقال تعالى (النساء 129): {ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة، وإن تصلحوا وتتقوا فإن اللَّه كان غفوراً رحيماً}.
273 - وعن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال، قال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: <استوصوا بالنساء خيراً؛ فإن المرأة خلقت من ضلع وإن أعوج ما في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء> مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وفي رواية في الصحيحين <المرأة كالضلع: إن أقمتها كسرتها، وإن استمتعت بها استمتعت بها وفيها عوج>
وفي رواية لمسلم: <إن المرأة خلقت من ضلع لن تستقيم لك على طريقة، فإن استمتعت بها استمتعت بها وفيها عوج، وإن ذهبت تقيمها كسرتها وكسرها طلاقها> .
قوله: <عوج> هو بفتح العين والواو
274 - وعن عبد اللَّه بن زمعة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنه سمع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم يخطب وذكر الناقة والذي عقرها فقال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: {إذ انبعث أشقاها}: انبعث لها رجل عزيز، عارم، منيع في رهطه. ثم ذكر النساء فوعظ فيهن فقال: <يعمد أحدكم فيجلد امرأته جلد العبد، فلعله يضاجعها من آخر يومه!> ثم وعظهم في ضحكهم من الضرطة فقال: <لم يضحك أحدكم مما يفعل!> مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
و <العارم> بالعين المهملة والراء: هو الشرير المفسد.
وقوله <انبعث> أي قام بسرعة.
275 - وعن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال، قال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: <لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقاً رضي منها آخر أو قال غيره> رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وقوله <يفرك> هو بفتح الباء وإسكان الفاء وفتح الراء معناه: يبغض. يقال: فركت المرأة زوجها وفركها زوجها. بكسر الراء يفركها: أي أبغضها، والله أعلم.
276 - وعن عمرو بن الأحوص الجشمي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنه سمع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم في حجة الوداع يقول بعد أن حمد اللَّه تعالى وأثنى عليه وذكر ووعظ، ثم قال: <ألا واستوصوا بالنساء خيراً فإنما هن عوان عندكم، ليس تملكون منهن شيئاً غير ذلك، إلا أن يأتين بفاحشة مبينة، فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع، واضربوهن ضرباً غير مبرح، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً. ألا إن لكم على نسائكم حقاً، ولنسائكم عليكم حقاً: فحقكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم من تكرهون، ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون. ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن> رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيْثٌ حَسَنٌ صحيح.
قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم <عوان> : أي أسيرات. جمع عانية، بالعين المهملة وهي: الأسيرة. والعاني: الأسير. شبه رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم المرأة في دخولها تحت حكم الزوج بالأسير.
و <الضرب المبرح> : هو الشاق الشديد.
وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم <فلا تبغوا عليهن سبيلاً> : أي لا تطلبوا طريقاً تحتجون به عليهن وتؤذونهن به، والله أعلم.
277 - وعن معاوية بن حيدة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال قلت: يا رَسُول اللَّهِ ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: <أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه، ولا تقبح، ولا تهجر إلا في البيت> حديث حسن رواه أبو داود وقال معنى <لا تقبح> : لا تقل قبحك اللَّه.
278 - وعن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال، قال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: <أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً، وخياركم خياركم لنسائهم> رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيْثٌ حَسَنٌ صحيح.
279 - وعن إياس بن عبد اللَّه بن أبي ذباب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال، قال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: <لا تضربوا إماء اللَّه> فجاء عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إلى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم فقال: ذَئِرْنَ النساء على أزواجهن، فرخص في ضربهن، فأطاف بآل رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم نساء كثير يشكون أزواجهن، فقال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: <لقد أطاف بآل محمد نساء كثير يشكون أزواجهن ليس أولئك بخياركم> رواه أبو داود بإسناد صحيح.
قوله <ذئرن> هو بذال معجمة مفتوحة ثم همزة مكسورة ثم راء ساكنة ثم نون: أي اجترأن.
قوله <أطاف> : أي أحاط.
280 - وعن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم قال: <الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة> رَوَاهُ مُسْلِمٌ